ألا يستحق اللاجئون الفلسطينيون في لبنان خطة طوارئ إغاثية؟

شارك

facebook icon twitter icon whatsapp icon telegram icon

فتحي كليب / مسؤول دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

لا يجادل اثنان حول حاجة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى الدعم الاقتصادي والاجتماعي، فهذه مسألة تتفق عليها جميع المرجعيات الخدماتية والسياسية والاجتماعية. وتحفل مواقع التواصل الاجتماعي يوميا بعشرات، بل مئات، القصص لعائلات ضاق بها الحال وانسدت في وجهها آفاق الحياة، وتحتاج إلى ما هو أكثر من "كرتونة" هنا وبضع دولارات هناك. هي مشكلة كبيرة أبعد من مواجهة تداعيات وباء كورونا وما أحدثه من إجراءات لبنانية دفعت إلى إغلاق المخيمات على قاطنيها دون أن يكلف أحد نفسه عناء التفكير بكيفية إنجاح هذا الإغلاق لناحية إقناع الناس بالبقاء في منازلهم وتأمين الاحتياجات الحياتية والمعيشية للاجئين..

وتحفل الصحافة اللبنانية والفلسطينية ومواقع التواصل الاجتماعي بالتحليلات والتحذيرات من تسلل الوباء إلى مجموعتين بشريتين تقيمان فوق الأراضي اللبنانية، وهما مخيمات اللاجئين السوريين والمخيمات الفلسطينية التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، سواء عبر البنى التحتية الهشة والاكتظاظ السكاني المرتفع أو لجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها العائلات وتجعل من مسألة العزل المنزلي غاية في الصعوبة.

بين أعوام 2010 و2015، أصدرت وكالة الغوث بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت دراستين هامتين قدمتا معطيات هامة حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين واحتياجاتهم الاقتصادية والمعيشية.. ولإنعاش ذاكرة من نسى، أو سها وتغافل، عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية للاجئين الفلسطينيين، نعود لاستذكار تلك المعطيات كمؤشرات لما نريد أن نخلص إليه، وليس باعتبارها معطيات راهنة، لأن المعطيات الحالية هي حتما أقسى وأكبر وأسوأ:

- أكثر من ثلثي من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم من الفقراء، وعدد كبير منهم يعيشون في فقر مدقع، أي غير قادرين على الوصول إلى الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.

- نحو 15 بالمائة من اللاجئين يحتاجون إلى دعم خارجي نظرا إلى عدم قدرتهم على تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، و63 بالمائة يعانون من فقدان الأمن الغذائي، فيما يزيد عدد الذين لا يحصلون على متطلبات الغذاء عن الثلث؛ بينما بلغت نسبة الذين لا يستطيعون الوصول إلى الفاكهة والخضر واللحوم ومنتجات الحليب نحو 25 بالمائة.

- نسبة العاطلين عن العمل من الفلسطينيين بلغت 56 بالمائة، فيما بلغ متوسط إنفاق الفرد من اللاجئين الفلسطينيين شهريّا حوالي 195 دولاراً أمريكي، وهو رقم لا يعكس الدقة، والواقع الفعلي هو أكثر سوءا.

رغم أن هذه المعطيات قدمت صورة قاتمة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلا أن الواقع الراهن بعد مرور أكثر من خمس سنوات عليها بات أكثر سوءا، بسبب اشتداد الضغوط الاقتصادية الناتجة عن مجموعة من التطورات والأحداث التي يعتبر كل حدث منها كافيا لتدمير مجتمع اللاجئين وجعله مجتمعا فاقدا لمرتكزات حياته المعيشية. ومن هذه التطورات:

*- إجراءات الإدارة الأمريكية بدءا من العام 2018 بوقف المساهمة المالية للولايات المتحدة في الموازنة، والبالغة نحو 360 مليون دولار، أي ما يعادل مليار دولار خلال الثلاث سنوات الماضية؛ وذلك في إطار الاستهداف العام لقضية اللاجئين وحق العودة، وهو ما ترك انعكاسات سلبية على مستوى برامج الأونروا في كافة مناطق عملياتها..

*- إجراءات وزارة العمل اللبنانية بدءا من تموز 2019 وما أحدثته من تأثير سلبي على العمالة الفلسطينية في لبنان نتيجة تفعيل بعض القوانين اللبنانية وبتفسيرات استنسابية، وهو ما أدى إلى إقفال السوق اللبناني في وجه العمالة الفلسطينية التي خسر معظم أفرادها مصدر رزقهم..

*- التحركات الشعبية اللبنانية منذ تشرين أول 2019 والتي استمرت حوالي (100) يوم تخللها شلل تام للحياة الاقتصادية نتيجة قطع الطرق وإقفال المحال التجارية والمصارف، وفي ظل تجمعات كبيرة في جميع المحافظات، وهو ما انعكس سلبا على المخيمات التي اتخذت توجها عاما قضى بالنأي بالنفس بعيدا عن هذه الأزمة، مع ما تطلبه ذلك من توقف عدد كبير من العمال عن الذهاب إلى أعمالهم..

*- الحدث المستجد المتمثل في إعلان الحكومة اللبنانية التعبئة العامة وما رافقها من إجراءات لجهة الحد من التجول ومنع التجمعات والالتزام بالعزل المنزلي في إطار مواجهة تداعيات وباء كورونا، إذ كانت المخيمات أكثر الأماكن تضررا من هذه الإجراءات لجهة عدم وجود هيئات إغاثية تعمل على التخفيف، اقتصاديا، عن أبناء المخيمات.

لا يختلف اثنان على أن الأوضاع الاقتصادية في لبنان وصلت إلى مستوى خطورة لا يستطيع أحد وقف تداعياتها. وقد أبرزت التحركات الشعبية اللبنانية التي اندلعت نهاية العام 2019 تزايد حالات الفقر والإفقار على امتداد جميع المناطق اللبنانية. ومع تفشي وباء كورونا، وقفت الدولة اللبنانية، التي كانت تتهيأ لإعلان خطتها الاقتصادية عاجزة عن الاستجابة لصرخات المواطنين اللبنانيين الذين كانوا يئنون تحت وطأة أزمة اقتصادية طالت كل مرافق الحياة.. لكن فيروس كورونا فاجأ اللبنانيين، كما العالم، فشلّت الحياة الاقتصادية من جديد، وكان أهم إجراء في مواجهة هذا الوباء هو العزل المنزلي.

غير أن مواجهة تفشي وباء كورونا عبر العزل المنزلي ليست كافية ما لم تقرن بإجراءات اقتصادية تشجع المواطنين على البقاء في منازلهم..وعلى هذه القاعدة طرح البعض ضرورة تبني الدولة اللبنانية حزمة إجراءات دعم اقتصادي نزولا عند حاجة المواطنين، حددها رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في (500) ألف ليرة لبنانية، داعيا الحكومة اللبنانية إلى الوصول إلى جميع الأسر الفقيرة التي تضررت بفعل الأزمة نتيجة تراجع الحد الأدنى للأجور لنحو (200) دولار (من 450 دولارا إلى 267 دولارا شهريا)، إضافة إلى ارتفاع الأسعار إلى حوالي (50) بالمائة في الفترة بين بداية تشرين الأول 2019 وحتى 15 شباط 2020 وفقا لما أعلنته جمعية حماية المستهلك.

هذه المعطيات وغيرها كانت حاضرة في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في 14 آذار بإقرار خطة دعم اقتصادي بلغت (18) مليار ليرة لبنانية مخصصة للأسر الفقيرة. وقد كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سبق الجلسة بالقول: "إن الدولة ستوفر الحماية للمواطنين والمقيمين". ونظرا إلى أن حاجة المواطنين كبيرة جدا ولا يمكن لمبلغ بسيط أن يسدها، قام مجلس الوزراء في جلسة لاحقة بزيادة المبلغ المقر سابقا ليرتفع إلى (75) مليار ليرة، ثم إلى (80) مليار ليرة في إطار خطة اقتصادية تتضمن توزيع (400) ألف ليرة لثلاثة أشهر على نحو (200) ألف عائلة (44 ألف عائلة مسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية كعائلات فقيرة وتستحق المساعدة، و130 ألف عائلة مسجلة عبر البلديات وعائلات جديدة ستنضم إلى العدد السابق، ليصبح العدد أكثر من مليون مواطن لبناني موزعين على: عمال توقفت أعمالهم، عمال فانات وسيارات أجرة، عائلات أسرى، ذوو الاحتياجات الخاصة، وعائلات لديها أفراد مرضى..

في نقاش الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان تبدو الصورة العامة أكثر سوداوية ومأساوية، فإذا كان المواطنون اللبنانيون يعانون من أوضاع اقتصادية أقل ما يقال فيها إنها صعبة، فكيف هو الأمر بالنسبة للاجئين الفلسطينيين؟ ولسنا هنا في معرض نقاش أسباب تدهور هذه الأوضاع، التي وإن كان اللاجئون الفلسطينيون يتقاسمون مع إخوتهم اللبنانيين تفاصيلها اليومية، إلا أن الأوضاع تنعكس على اللاجئين بأضعاف مضاعفة:

أولا، لأن منشأ معاناة اللاجئين يعود بجذره إلى صراع سياسي وإلى ضغوط دولية، أمريكية، تمارس على الشعب الفلسطيني لتحقيق أهداف سياسية ليست خافية لدفعه للقبول بحلول سياسية لا تنسجم والحد الأدنى من تطلعاته الوطنية؛ وبالتالي فإن المعاناة الاقتصادية تصبح بهذا المعنى جزءا لا يتجزأ من صراع مع المشروع الصهيوني يمتد إلى أكثر من مائة عام.

ثانيا، لأن وضعية اللاجئين الفلسطينيين، السياسية والقانونية والاقتصادية، تختلف عن وضعية المواطنين اللبنانيين الذين يعيشون بحماية دولة لها مؤسساتها السياسية والقانونية، وفي ظل نظام اقتصادي متكامل ومتبلور اقتصاديا، ويتمتعون بجميع الضمانات؛ فيما اللاجئون الفلسطينيون يعيشون في مخيمات تفتقر إلى أبسط شروط الحياة ويعانون من الحرمان من حق العمل في ظل غياب جميع أشكال الضمانات..وهم حكما خارج إطار الدورة الاقتصادية وخارج إطار المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية التي يستفيد منها المواطنون، مثل حزمة الدعم الاقتصادي التي أقرتها الحكومة مؤخرا.

ثالثا: لأن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ينظرون إلى وكالة الغوث باعتبارها "قطاعهم العام" الذي يوفر لهم خدمات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الاجتماعية التي لا يمكن أن تستمر إلا عبر تمويل أريد له أن يكون طوعيا، تقدمه الدول المانحة، وأي إخلال دولي بالتزام الدول المانحة، كما هو حاصل اليوم، من شأنه أن ينعكس على طبيعة الخدمات المقدمة، كما ونوعا.

انطلاقا من كل ذلك، يصبح مفهوما لماذا يطالب اللاجئون بدعم اقتصادي، كما تصبح مفهومة أيضا حاجة اللاجئين الدائمة إلى خطط طوارئ اقتصادية وصحية وتربوية وإغاثية، لا يوجد من هو مؤهل لها أكثر من وكالة الغوث التي درجت في مناسبات عدة على اعتماد هذا النوع من الدعم، نظرا للأوضاع المتغيرة للاجئين وعدم ثباتها على واقع معين بفعل تشعب الصراع وتعقيداته..

عندما تشكلت وكالة الغوث عام 1949 وفقا لقرار الجمعية العامة رقم (302)، لم يكن ضمن تفويضها الاستجابة لحاجات طارئة ومستجدة، ولم يكن في بال أحد اعتماد خطط طوارئ للاجئين، لأن النظرة العامة كانت أن وجود الوكالة هو وجود مؤقت سينتهي بانتهاء السبب الذي نشأت من أجله، وهو عودة اللاجئين.. وكانت حينها الموازنة العامة للوكالة عبارة عن موازنة "الصندوق العام" فقط، لكن مع ازدياد الصراع تعقيدا، وبعد أن تيقن المجتمع الدولي أن العودة ليست بالمتناول، بعد أن أخذ الصراع طابعا عسكريا وتدميرا ترافق مع عمليات عدوانية واسعة ومتكررة شنها الاحتلال الإسرائيلي ضد أماكن تجمعات اللاجئين في المخيمات، برزت الحاجة إلى ضرورة الاستجابة للتحديات التي كان تفرضها تلك الأحداث، فنشأت أبواب أخرى للموازنة إلى جانب موازنة الصندوق العام، ليصبح شكل الموازنة الإجمالية معتمدا على ثلاث ركائز: موازنة الصندوق العام التي تتكرر كل عام وهي المعروفة بخدمات التعليم، الصحة والإغاثة الاجتماعية، موازنة المشاريع التي نشأت بفعل تزايد أعداد اللاجئين وبروز الحاجة إلى توسيع الأونروا لمنشآتها ومرافقها بما يستجيب للاحتياجات المتزايدة. وموازنة الطوارئ التي عادة ما توضع بهدف الاستجابة لتحد ما وتنتهي بانتهاء السبب، كأن تعود الحياة إلى طبيعتها بعد عدوان عسكري مثلا.

وقد سبق للأونروا أن أقرت وأشرفت على عدد واسع من خطط الطوارئ التي كانت تهدف إلى تلبية حاجات نشأت بفعل تحديات ما، ومن أهمها: خطة الطوارئ لمواجهة تداعيات احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزه عام 1967، برنامج الطوارئ الذي أنشئ لمواجهة تداعيات للحرب الأهلية اللبنانية في فترة ما بعد العام 1975، خطة الطوارئ لمواجهة ما نتج عن اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، الخطة التي وضعت في الضفة وغزه بعد العام 1987 لمواجهة تداعيات "انتفاضة أطفال الحجارة"، ثم انتفاضة الأقصى عام 2000، خطة الطوارئ الخاصة بمخيم نهر البارد في لبنان الذي تم تدميره بشكل كامل عام 2007 وشرد جميع أبنائه، خطة الطوارئ المتعلقة بقطاع غزة سواء في مواجهة الحصار أو نتيجة الحروب المتكررة التي شنت عليه في أعوام 2009، 2012، و2014، إضافة إلى خطة الطوارئ المتعلقة بتداعيات الأزمة السورية بدءا من العام 2011.

ولعل السؤال الذي يتردد على ألسنة الجميع: انطلاقا من الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، ألا يستحق هذا الواقع خطة طوارئ إغاثية من قبل وكالة الغوث؟.

ما تبرزه الأونروا في تقاريرها منذ سنوات، والمدعوم بعشرات الدراسات والمسوحات الاجتماعية، يؤكد حاجة فلسطينيي لبنان إلى ما هو أكثر من خطة طوارئ.. بل المؤكد أن هذه الخطة قد تأخرت، وأن الحد الأدنى مما يمكن للأونروا أن تعتمده وتقره هو خطة طوارئ إغاثية تعالج تداعيات الأزمة اللبنانية بمحطاتها المتعددة.

في العام 2015 أقرت الأونروا خطة عملها للفترة المقبلة تحت عنوان "الإستراتيجية متوسطة الأجل 2016 - 2021". ورغم أن الكثير من عناوين هذه الخطة قد طرأت عليها بعض التعديلات نتيجة التطور غير المتوقع المتمثل في إجراءات الإدارة الأمريكية، فقد جاء في هذه الخطة، في إطار تحديد أولويات الأونروا ما حرفيته: "ستسعى الأونروا للاستجابة إلى الاحتياجات الإنسانية الأساسية للاجئين الفلسطينيين من الغذاء والمأوى والصحة البيئية، مع إعطاء الأولوية للأفراد والأسر الأشد فقرا والأكثر ضعفا؛ وسوف تسعى إلى تعبئة الموارد الكافية لضمان أن تكون المساعدات المباشرة للمفتقرين إلى الأمن الغذائي".

ولعل النقاش المطروح اليوم هو ليس حول ما إذا كان اللاجئ الفلسطيني يصنف على أنه فقير أم لا، بل حول تعريف الفقر أولا. صحيح أنه ليس هناك من تعريف متفق عليه عالميا لمفهوم الفقر، إلا إنه بإمكاننا الاسترشاد بما توصلت إليه الأمم المتحدة من كون مصطلح الفقر يعني "حالة الحرمان الشديد من الاحتياجات الأساسية التي تبقي الإنسان على قيد الحياة..".

ولو ذهبنا إلى ما قول البنك الدولي إن مصطلح الفقر الشديد يطلق على الشخص الذي يعيش دون عتبة (1.9) دولار يوميا، لأصبحنا أمام لوحة واضحة لا تحتمل أي جدال، وهي أن غالبية الشعب الفلسطيني داخل وخارج المخيمات في لبنان هم من الفقراء، وأي خطة لا تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى ستكون عرضة للنقد من قطاعات اجتماعية فلسطينية واسعة.

لكن رغم ذلك، يمكن القول إن العائلات المصنفة ضمن برنامج شبكة الأمان الاجتماعي، والتي يتجاوز عدد أفرادا في لبنان (60) ألف فرد، هم الأكثر تأثرا بالأزمات الاقتصادية، نظرا لاعتمادهم على مساعدات وكالة الغوث وخدماتها بشكل كامل، خاصة أن برنامج الإغاثة الاجتماعية لا يلبي الحد الأدنى من الحاجات، ومعايير الوكالة لإدخال عائلة ما ضمن هذا البرنامج تتصف بالكثير من الاستنسابية، لأن المعلومات التي تقدمها الأونروا هي في معظمها تقديرات قد لا تصلح كأساس لدراسات علمية جدية تشكل أساس لبرامج تنموية حقيقية تنهض بمجتمع اللاجئين، وتساهم في تنميته.

لذلك، فلو قاربنا مسألة الفقر من زاوية الربط بين الإنفاق والاستهلاك ومن ثم الاعتماد على مستوى الدخل كمعيار للفقر، لتوصلنا إلى تعريف متفق عليه بأن الفقير هو الذي يهبط دخله عن الحد الأدنى اللازم لتلبية حاجاته الأساسية. واستنادا إلى هذا التعريف، فان العدد الأكبر من العائلات الفلسطينية في لبنان يهبط متوسط إنفاقها الشهري الراهن إلى ما دون الحد الأدنى للأجور الذي كان محددا سابقا في لبنان في (450) دولارا وليصل راهنا إلى نحو (267) دولارا.

ويبدو واضحا أن موازنة الإغاثة والخدمات الاجتماعية لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات. ولعل النظرة إلى موازنة هذا القسم تعطي صورة عن التطور البسيط في الموازنة التي بلغت عام 1012 نحو 12 مليون ارتفعت إلى نحو 12.2 مليون في عام 2014؛ فيما تم إنفاق نحو 11 مليون دولار عام 2018, أما موازنة هذا القسم لعام 2020 فلم تزد عن 13 مليون دولار، وإذا ما احتسبنا النفقات الإدارية فإن المتبقي لا يكاد يلبي الحد الأدنى من احتياجات المستفيدين. ولعل هذا هو سبب إصرار الأونروا على اقتطاع مبلغ (2) مليون دولار من أصل (5) ملايين دولار حصلت عليها في إطار دعم اللاجئين الذين تضرروا من الأزمة اللبنانية.. وذلك بهدف التغطية على تقصيرها وتراجع تقديمها في هذا القطاع.

رغم ايجابية كل دعم اقتصادي يقدم للاجئين، مهما كان بسيطا، إلا أنه يبقى خطة هامة يجب الثناء عليها، لكنه لا يجب أن يشكل بديلا عن خطة إغاثية متوسطة أو طويلة الأجل تمتد لعدة سنوات على غرار خطط الطوارئ التي عادة ما تعتمدها الأونروا، خاصة حين تعجز برامجها العادية عن الاستجابة لاحتياجات اللاجئين التي تزداد بشكل غير متوقع.. لذلك فان عمليات الدعم الاقتصادي يجب أن تشمل جميع اللاجئين دون استثناء، انطلاقا من كون الأزمة الاقتصادية تطال بانعكاساتها السلبية جميع فئات اللاجئين؛ وهذا هو بالتحديد سبب رفض أي استنساب يسعى إلى التمييز بين اللاجئين.

كما أن أي تقسيم لفئات المجتمع الفلسطيني لهو دعوة إلى إحداث شرخ بين من يستحق الدعم والمساعدة، وهم غالبية الشعب، وبين فئة قليلة قد تكون أوضاعها الاقتصادية أفضل حالا، لكنها تعاني اقتصاديا وتحتاج إلى كل المساعدة. لأن دعم اللاجئين الفلسطينيين اقتصاديا يجب أن ينسجم مع ما أقرته الدولة اللبنانية من مساعدة للعائلات بقيمة (400) ألف ليرة.. رغم أن حاجات اللاجئين أكبر بكثير من احتياجات المواطنين اللبنانيين، وهذه مشكلة لا يمكن حلها إلا من خلال خطة طوارئ لها موازناتها الخاصة، بعيدا عن الاستنساب في الخلط، سواء بين البرامج أو بين أبواب الموازنة الثلاث. وهنا يكمن الفارق بين أدارة تدرك حجم الاحتياجات وتعمل على توفير مستلزماتها المالية والتوظيفية، وإدارة لا هم لها إلا تخفيض الخدمات تحت عناوين التوفير والعجز المالي، رغم أن الجميع يقر بحاجة اللاجئين الفلسطينيين إلى خطة طوارئ إغاثية!